كارثة كراود سترايك.. من المسئول عن تعويض العالم بسبب العطل التقني؟
تبنت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة سياسة “أكبر من أن تفشل”، أو بمعنى أدق “أكبر من أن يُسمح لها بالفشل”، تجاه المؤسسات المالية الرئيسية، حيث تدخلت مرارًا لإنقاذها وتهيئة المناخ في الأوقات الصعبة، للحفاظ على سلامة النظام المالي العالمي الذي تقوده.
أمن النظام المالي
وحتى عندما يتعلق الأمر بالبنوك الأصغر حجمًا – كما حدث في أزمة ربيع عام 2023 – كانت الحكومة الأمريكية سريعة التدخل لضمان الحفاظ على أمن النظام المالي وعدم خلق حالة من الهلع بين المودعين.
ليمان براذرز
ومع ذلك، كان “ليمان براذرز” رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة عام 2008 عندما “سُمح له بالانهيار رغم أهميته للنظام”، في لحظة يعتقد كثيرون أنها كانت شرارة اندلاع الأزمة المالية التي أربكت اقتصاد العالم وتسببت في خسائر جمة.
إدارة المخاطر
يلقي البعض باللوم على البنك لتجاهله بشكل غير مسؤول إدارة المخاطر، والبعض يدعي أن السلطات لم تفعل ما يكفي آنذاك، لكن في النهاية، ولكبر حجم أعمال “ليمان براذرز” ومكانته في قلب النظام المالي “المتشابك”، انتقلت العدوى وتشارك العالم تكلفة الكارثة.
كراود سترايك
هذا يشبه إلى حد كبير ما حدث صباح اليوم، عندما تسببت شركة “كراود سترايك- CrowdStrike”، في اضطراب عالمي واسع النطاق، والذي أعطى لمحة لما يمكن أن يكون عليه سيناريو الانهيار الكلي لشبكات الحواسيب والإنترنت وأنظمة المعلومات (وربما أسوأ من ذلك).
المركزية الراسخة
عادة، عندما تجتمع الثقة والشعور المفرط بالأمان والسيطرة مع المركزية الراسخة، تكون العواقب قاسية في حالات الإخفاق، فهكذا كان الحال خلال الأزمة المالية، وهو كذلك الآن في أزمة “كراود سترايك”، وربما سيكون على حاله إلى أن تقع كارثة أشد فتكًا.
كبيرة لكنها تفشل
– “كراود سترايك” الأمريكية هي ثاني أكبر مقدم خدمات أمن سيبراني في العالم، حيث بلغت قيمته السوقية بنهاية تعاملات الخميس أكثر من 80 مليار دولار (بعدما تضاعف سهمها خلال آخر 12 شهرًا)، وتستخدم أكثر من 29 ألف شركة منتجاتها لردع الهجمات السيبرانية.
الهجمات السيبرانية
– الأمر المثير للسخرية، أنه في نهاية المطاف، كان تحديث برمجيات “كراود سترايك” هو السبب في هذه الفوضى العالمية، والتي ربما ما كانت لتنجح أقوى الهجمات السيبرانية وأحكمها تدبيرًا في إحداث هذا التأثير على هذا النطاق.
البورصة
– “كراود سترايك” التي تأسست عام 2011 وطرحت أسهمها في البورصة عام 2019، توظف الآن قرابة 8.5 ألف شخص، وأجرت نحو 31 صفقة استحواذ واستثمار في كيانات أخرى ذات صلة، وتنمو أعمالها بشكل سريع للغاية.
السهم
حقق سهم الشركة عائدًا يتجاوز 400% منذ طرحه في البورصة، وفي حين أن إيراداتها بالكاد تجاوزت 3 مليارات دولار في عام 2023 (مقارنة بـ500 مليون في 2020)، كان يأمل البعض أن تصل قيمتها السوقية قرب تريليون دولار بحلول 2030.
فورتشن
– حلت “كراود سترايك” في المرتبة الأولى بقائمة “فورتشن” لأفضل 50 شركة مدرجة في البورصة تتمتع بوضع موات للنمو في عام 2021، فيما صنفتها “كاناليز” للتحليل، كشركة رائدة للنمو بين شركات الأمن السيبراني في 2023.
منتجات الأمان
– تصنف “كاناليز”، “كراود سترايك” باعتبارها الشركة الرائدة عالميًا في مبيعات منتجات الأمان للنقاط الطرفية (والتي تعد أمرًا حيويًا لحماية أمن الشركات والمؤسسات وحتى الحواسيب الشخصية والخوادم وأجهزة التوجيه)، بحصة سوقية بلغت 18.5% في منتصف عام 2023.
أكبر عطل في التاريخ: كيف تأثر العالم؟
– من أستراليا مرورًا باليابان ثم المملكة المتحدة ووصولًا إلى أقصى الساحل الغربي للولايات المتحدة، تفاجأ مستخدمو أنظمة “ويندوز” التابعة لشركة “مايكروسوفت” بتعطل حواسيبهم (كما تعطلت الخوادم) ولم يتمكنوا من تشغيلها اليوم، إذ تشير التقديرات الأولية إلى تعطل ملايين الأجهزة حول العالم.
أعمال البنوك
– تسبب ذلك في تعطل أعمال البنوك والرعاية الصحية وحركة الطيران وشبكات التلفزيون والسلاسل التجارية والقطارات والفنادق وغيرها من الأعمال والأنشطة الاقتصادية، في ما بات يعرف الآن بأنه “أكبر عطل تقني لأنظمة تكنولوجيا المعلومات في التاريخ”.
معالجة الخلل
– طلبت الشركة من العملاء بعد فترة من العمل على معالجة الخلل، إعادة تشغيل النظام يدويًا، وقالت إنه قد يكون من الضروري للبعض تنفيذ هذا الإجراء 15 مرة قبل استجابة النظام، مضيفة أن بعض الأنظمة ستعود للعمل خلال ساعات والبعض الآخر سيستغرق “وقتًا أطول”.
تسبب العطل في تأخر بدء التداولات في بورصة لندن بنحو 20 دقيقة، مع اضطراب خدمة أخبار السوق التابعة لها، في حين لم تتأثر الأسواق المالية الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا.
عمليات التداول
– مع ذلك، تعطلت عمليات التداول لدى العديد من شركات الوساطة والبنوك مثل “جيه بي مورجان” و”تشارلز شواب”، وواجهت المطارات حول العالم أعطالًا تقنية وتأخرت الرحلات الجوية، وأصدرت شركات الطيران الأمريكية أوامر بعدم تحليق الطائرات.
مركزية أمريكية مفرطة
– من بين كل الشركات التي تستخدم أنظمتها، كان اعتماد “مايكروسوفت” على “كراود سترايك”، هو سبب تفشي العدوى بهذه السرعة، نظرًا للانتشار الهائل لنظام “ويندوز”، خاصة أن الاضطراب جاء بعد ساعات من عطل بخدمات الحوسبة السحابية “آزور”.
مايكروسوفت
– “مايكروسوفت” هي ثاني أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية بأكثر من 3 تريليونات دولار، وتولد إيرادات تتجاوز 200 مليار دولار سنويًا، بفضل مبيعات البرمجيات وخدمات الحوسبة السحابية (ولدت وحدها 80 مليار دولار في آخر سنة) وغيرها.
الذكاء الاصطناعي
– لكن الأهم من ذلك هو اعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي على بُناها التحتية للحوسبة، وهو أمر ربما يشكل خطرًا أكبر في المستقبل حال تسبب عطل أو اختراق في أزمة مشابهة لكن بأنظمة التحكم في الذكاء الاصطناعي.
لفهم مدى الخطورة التي يشكلها تعطل أو اختراق “ويندوز”، يمكن النظر على الحصص السوقية، حيث يستحوذ النظام على نحو 72% من سوق أنظمة تشغيل الحواسيب عالميًا، مقابل 15% لأكبر منافسيه “ماك أو إس” التابع لشركة “آبل”، وهي أمريكية أيضًا.
منصة “آزور”
– أطلقت “مايكروسوفت” منصة “آزور” كمصدر مفتوح للحوسبة السحابية في عام 2010، ونمت حصتها منذ ذلك الحين بثبات، حيث تستحوذ على نحو 24% من السوق العالمي، وهناك 350 ألف شركة تستعين بخدماتها، وتعتمد 95% من الشركات المدرجة بقائمة “فورتشن 500” عليها.
الولايات المتحدة
– تسيطر الولايات المتحدة على سوق الأمن السيبراني بشكل مطلق، حيث بلغت حصة شركاتها من إيراداته 72 مليار دولار في 2023، تليها الصين بنحو 14 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة بمقدار 10 مليارات دولار.
أمازون
– “أمازون” هي أكبر شركة للحوسبة السحابية في العالم بحصة تبلغ 31%، تليها “آزور”، ثم “جوجل” بنحو 11%، كما تسيطر “سيلزفورس” و”آي بي إم” و”أوراكل” على حصة مجتمعة تبلغ 7%، مقابل 6% لشركتي “علي بابا” و”تنسنت” الصينيتين، و21% لشركات من جنسيات مختلفة.
اعتماد العالم المفرط على أمريكا لتشغيل أنظمته التقنية (كما هو الحال في النظام المالي) يعني أنه “عندما تعطس الولايات المتحدة سيشعر العالم أجمع بالبرد”، لكن في حين أنها تستطيع “أحيانًا” منع العدوى المالية، فقد لا يسعها الوقت لذلك مع التكنولوجيا.
يوم الحساب
– تخيل لو أن أزمة مماثلة (سواء بقصد أو دون قصد) وقعت مستقبلًا في قلب أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا، هل سيكون مجرد عطل مؤقت مع بضعة مليارات من الخسائر، أم إعادة حية لقصة “يوم الحساب” من سلسلة أفلام “المدمر”.