الأزمة التجارية بين طوكيو وسول تهدد الإمدادات العالمية من الرقائق الدقيقة وشاشات الهواتف المحمولة
دخلت الأزمة التجارية بين اليابان وكوريا الجنوبية منعطفا جديدا مع بداية سبتمبر الجاري، على خلفية قيام سول برفع اسم طوكيو من “نادى الأصدقاء التجاريين”، باستبعادها من قائمة الدول التي تحظى بوضع تصديرى ميسر، حيث تشهد البلدان أسوأ أزمة تجارية فى تاريخ علاقاتهما منذ ما يقرب من نصف قرن، حيث تورطهما فى لعبة لافائدة فيها، ستعود بالخسارة على كوريا الجنوبية الأولى عالميا في إنتاج الشرائح، واليابان الأولى عالميا في إنتاج المواد الأساسية لصنع الشرائح، ولن تجد هذه وتلك بديلا جيدا عن الآخر لفترة طويلة.
أزمة مرت بمنحنيات من التصعيد والتخفيف إلى أن دخلت مرحلة جديدة بعد انسحاب سول من الاتفاق العسكرى لتبادل المعلومات الاستخبارية مع طوكيو المبرم بينهما فى عام ٢٠١٦، والمعروف باسم” اتفاق تبادل الأمن العام والمعلومات العسكرية”، وبموجبه كانت الدولتان تتبادلا المعلومات بشأن تطور البرنامج النووى الصاروخى لكوريا الشمالية، مستهدفتين الوقوف ضد طموحات بيونج يانج العسكرية والنووية فى المنطقة.
ودفع قرار الحكومة اليابانية بشأن رفع اسم كوريا الجنوبية من القائمة البيضاء التى تضم أفضل الشركاء التجاريين لليابان، سول إلى الرد بالمعاملة بالمثل، الأمر الذى سيحدث خللا كبيرا فى التوازنات السياسية والاقتصادية بالمنطقة مالم يتم رأب الصدع.
وألقت هذه الأزمة التجارية بظلالها على علاقات الود التى كانت تربط البلدين الحليفتين الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية، واعترى العلاقات بين البلدين بعض العوائق منذ العام الماضي، بعد أن أصدرت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية حكما نص على أن الشركات اليابانية ينبغي أن تدفع تعويضات للكوريين الجنوبيين الذين أجبروا على العمل بالسخرة في مصانعها ابان استعمار اليابان لكوريا بين عامي 1910 و1945، القرار الذي استهجنته طوكيو ورفضته لكونه يتناقض مع روح الاتفاق الذي أبرم في عام 1965 بين البلدين عند تطبيع العلاقات ليضع حدا نهائيا من خلال تقييم اليابان تعويض مقداره 500 مليون دولار من المساعدات المالية والمنح كتعويض عن أضرار الحرب ما يعد خرقا لمعاهدة أنهت أزمة قديمة.
وتفاقمت الأزمة بإشارة سيول إلى وجود مشكلات تتعلق بإجراءات ضوابط التصدير من قبل طوكيو، وقالت اليابان إن سول انتهكت قواعد تصدير منتجاتها الحساسة، والمواد المستخدمة في صناعة معدات ذات تقنية عالية وبيعها لأطراف ثالثة، وعلى إثر ذلك استبعدت كوريا الجنوبية من قائمتها البيضاء للدول التي تحظى بالحد الأدنى من القيود التجارية بسبب تراجع الثقة، بعد فرض قيود على صادرات ثلاثة منتجات رئيسة تدخل فى صناعة الشرائح والهواتف الذكية؛ ما يهدد صناعتها الإلكترونية وينعكس سلبا على اقتصاد البلاد.
إن تصدع التحالف الأمني بين طوكيو وسول يهدد خطط التعاون الأمني والعسكري بينهما في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية والهيمنة الصينية، وإغلاق قنوات الاتصال بينهما يرفع من حدة الخطر، حيث يصب في صالح بيونج يانج التي أجرت في الشهر الماضى فقط ٧ اختبارات صاروخية قصيرة المدى، إلى جانب أنه يعزز المصلحة الصينية الروسية المشتركة التي دعمها مؤخرا تدريبات عسكرية على مقاتلات قادرة على حمل رؤوس نووية فوق المياه الدولية بين كوريا الجنوبية واليابان.
وفى الوقت الذي يعتبر الكوريون الجنوبيون هذه الإجراءات عقوبات وأنها مخالفة للقانون الدولي مهددين بعرض الخلاف على منظمة التجارة العالمية، ترفض اليابان إجراء مفاوضات بينهما؛ ما يهدد الإمدادات العالمية من الرقائق الدقيقة وشاشات الهواتف المحمولة، ومن هذا المنطلق تشعر المجموعتان العملاقتان ومقرها سول “سامسونج إلكترونيكس “و” إس كي هينيكس “بالقلق من هذا الوضع، حيث تؤمنان نحو ثلثي إنتاج العالم من الشرائح الإلكترونية وأبرز عملائها مجموعات آبل و أمازون وهواوي .
وكان الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي، قد أكد أن حكومته تفعل ما في وسعها للتوصل إلى حل دبلوماسي لهذه المشكلة، معربا عن أمله في أن تفعل الحكومة اليابانية الأمر ذاته، مضيفا أنه لا يمكن استبعاد فرضية استمرار هذا الوضع لفترة طويلة، فبقدر ما يتفاقم الخلاف يصبح من الصعب التنازل.
إن الحل لا يبدو قريبا ويمكن أن يسبب اضطرابا في انتشار شبكة الجيل الخامس لاتصالات الإنترنت ذات السرعة الفائقة، وكذلك الشاشات المستقبلية القابلة للطي، وهنا يمكن تحديد عدة سيناريوهات قد تفضى إليها تلك الأزمة التجارية، أولها لجوء سول لبكين أكبر قوى اقتصادية في قارة آسيا للحصول على التكنولوجيا التى حجبتهما عنها طوكيو، الأمر الذي يجود عليها باليد العليا، ويدعم موقفها في الحرب التجارية الدائرة حاليا بينها وبين واشنطن.
وفي ظل ضعف العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية واليابان، يأتي سيناريو آخر يمثل احتكار الصين السوق العالمية للصناعات التكنولوجية لتصبح المصدر الأول فى العالم لتطوير تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس، وما يترتب عليه من استخدامات عسكرية.
والسيناريو الثالث، هو حدوث ركود أو تراجع في السوق الدولية للصناعات التقنية المتطورة، وارتفاع أسعارها نتيجة النقص المرجح في الشرائح، ومواجهة مجموعات التكنولوجيا آفاقا اقتصادية عالمية ضعيفة، فيما يتوقع السيناريو الرابع تضرر بعض المنتجات من هذا الوضع، ومنها الهاتف الذكي “جالاكسي فولد” من الجيل الخامس، القابل للطي والذي تنتجه المجموعة الكورية الجنوبية العملاقة سامسونج، وأمضت ثماني سنوات في تطوير هذا النموذج الذي تأخر طرحه في السوق هذا العام بسبب مشكلة في الشاشة.
ويتركز السيناريو الخامس في أن يتضرر نشر شبكة الجيل الخامس التقنية على نطاق أوسع، والتي يفترض أن تسمح ببدء مرحلة جديدة في الاتصالات وتحتل كوريا الجنوبية مراتب متقدمة في صنعها، وسيؤدي انخفاض إنتاج الشرائح إلى تباطؤ كل شيء، بما أن مجموعات الإنترنت تعتمد على السرعة الكبيرة التي يؤمنها الجيل الخامس والأجهزة الصلبة التي تعتمد على هذا الجيل.
وفيما يتلخص السيناريو السادس وهو الأبعد رغم إنه المأمول في توقع حدوث نوع من المرونة في الأزمة بسبب التنازلات الرسمية التى تمهد الطريق نحو إعادة العلاقات لسابق عهدها، حيث مد مون جاى رئيس كوريا الجنوبية فى كلمة ألقاها فى ذكرى استسلام اليابان يده بالسلام لها..مطالبا بعدم استخدام التجارة كسلاح لإحياء آلام الماضي، ومن جهته واصل الإمبراطور الياباني الجديد ناروهيتو نهج والده خلال الإحتفال السنوى لتخليد ذكرى الحرب بالتعبير عن ندمه وأسفه لما أسفرت عنه الحرب من مآس.
المصدر : ا ش ا